أحــــــــــــــــــــــــــــــلام


حضرت مؤخراً احد البرامج الإنمائية المقدمة من قسم التربية الخاصة عن تعديل السلوك ،وخلال العرض قدمت المدربات الفاضلات استراحة في سؤال مفاده : 
ـ تخيل لو أنك حصلت على مئة مليون ريال عماني فماذا ستفعل بها ؟! 

وبكل حماس قمنا بتنفيذ النشاط على شكل خريطة ذهنية في لوحات صفراء متوسطة الحجم رسمنا عليها تصوراتنا ، وقد كان ممتعا الاستماع لآراء بعضنا البعض وخاصة إذا تشابهت ، وعندما حان وقت العرض وخرجت المتحدثة باسم مجموعتها وعرضت رؤى وأفكار مجموعتها إلى أخر المجموعات الست وجدت تشابها كبيرا فيما تم عرضه وقلت في نفسي : يا إلهي ..كم أننا شعب كبير في أحلامه !

مئة مليون ريال عماني ماذا ستفعل/ين بها ؟ .. تفاوتت الأفكار المتخيلة؛ ولكن يمكن جمعها في النقاط التالية بتصرفي:
ـ بناء منزل / شراء سيارة 
ـ تقديم الاستقالة وعمل مشروع
ـ تسيير حملات حج وعمرة 
ـ فتح محل عباءات
ـ التبرع للجمعيات الخيرية 
ـ تنفيذ مشاريع استثمارية لضمان عدم نفاذا النقود المصروفة من المئة مليون ، وتتضمن هذه المشاريع : انشاء مدارس خاصة ونموذجية ، بناء مستشفيات بأعلى مستوى، بناء مساجد،، انشاء دار للأيتام وصندوق زواج ، انشاء حدائق وشوارع بالاسم الذي تختار ، بناء مدينة ملاهي ..

هي أحلام بسيطة و أخرى بحجم دول ؛ أما الفكرة المتخيلة التي اجتمعت عليها كل المجموعات وبكل ترحيب عبرن عنه لأنفسهن وأقاربهن وكل محتاج فقد تمثل في : تسديد القروض أو الديون ..
الحديث عن تلك الأحلام ليس بجديد ولكن دعونا نعطي أسبابا ونحلق بعيدا عن ما سبق وقريبا من قلوبنا سنجد اننا لا زلنا نتمتع بقلوب رحيمة ومعطاءة تحب الخير للجميع بلا استثناء ولكن هذه الجماعة الخيرة ليست من أصحاب روؤس الأموال ولا صاحبة أملاك ضخمة ؛ ولكنها قوة المجتمع المدني الفاعلة والناشطة بغالبية عددهم التي أصبح تفكيرها ماديا بشكل يهدد القيم الانسانية ، وليس الأدل على ذلك سوى انتشار مفهوم الحسد والتحاسد بينها ، وهذا مما يؤسف عليه كثيراً ، لأن العلة ليست في توفر المسكن والمأكل والعلاج والترفيه ولكن كل العلل تكمن في أوجه الخلل والقصور التي اعترت حياتنا في كيفية الاستفادة منها .. فلماذا يفكر مواطن حالم ببناء مستشفى ؟
لماذا يتم تشجيع المواطن على السفر إلى الخارج من أجل العلاج ومن أجل حديقة ومجمع تجاري وفندق وسوق ؟ 
لماذا يفكر مواطن حالم بمدينة ملاهي ضخمة سيبنيها؟
لماذا يفكر بتقديم استقالته والبحث عن منفذ آخر؟
لماذا يفكر فيما حصل عليه زميله أو زميلته ولم يحصل عليه أو لم يترقى له في المقابل؟

تكثر الأسئلة القديمة والمتكررة وتجيب عن نفسها على لسان كل أحد فينا ، وبمشاهد عابرة نجد ما لم يتوفر له سرير في مستشفى من لم يتلقى دواءا من لم يصادف طبيبا ذكيا من ترك كل ذلك من البداية واتجه إلى العيادات الخاصة أو سافر إلى الخارج ، من يخبره الطبيب بتناول أطعمة محددة ويجدها في السوق بأثمن الأسعار أو حتى لم يخبره الطبيب سيجد نفس الشيء وخاصة لو أراد تناول الطعام الصحي وسيسأل نفسه أين منتجات بلادي ؟ فلا زرعي ولا غرسي ، ولست أدري ما حققناه على مستوى الإكتفاء الغذائي الذاتي ..

بعض الأحلام تتحقق وبعض الأفعال يمكن تصريفها على مستوى الأفراد الفاعلين ولكن بعض الأمور تصدم بجدار عال من أوهام بيروقراطية تعلل بدراسة وجدوى واقسام وارتباط مؤسسات محلية وخارجية وانتظار الأوامر..... قائمة لا نهاية لها سوى أنها مبررات تسويغية وأننا أدمنا الوقوع في شرك الشكل والمظاهر فحتى عندما يكون عندنا فعل وردة فعل فإننا نتوقف ولا نسأل ماذا بعد ذلك ؟
أما الحلم الكبير لنا هذه الأيام فهي مسألة الديون بين مؤيد لإعفائها ورافض ولكل منهم أسبابه فحتى بعض المديونين /ات لا يؤيد فكرة اعفائه من الديون لذا لو فكرت الدولة أو مؤسسة ما بعملية الإعفاء فيجب عليه جعل المسألة اختيارية ؟ !

كما نعلم ويؤكدها المديون/ات أنها مسؤوليتهم الشخصية في انهم اقترضوا أيا كانت الأسباب؛ لكن هل كانوا سيطالبون بالإعفاء ما لم يكونوا في معاناة أو حاجة .. هذا السؤال الذي يتجاهله الرافضون متغنين بشعار المساواة و العدالة الإجتماعية وهذا اقترض وذاك صبر وما اقترض .. هذا رضا على نفسه الفوائد وذاك لا !

نحن نحتاج إلى أن نحسن الظن في بعضنا البعض ، ونتذكر أن الكثيرين /ات اقترضوا لأسباب مللنا طرحها ولكنها لا زالت هي ونحن في عام جديد بين علاج مرض وشراء منزل ودراسة .. الخ ، حتى الذي يقال انه سافر للترفيه واقترض ألم يكن من حقه أن يسافر لأنه احب ذلك .. هي ليست مسؤلية دولة وكما قلت مسؤلية شخصية اجتماعية أن تأخذ بيد غيرك كما لوكنت مكانه .. ولا يعيب المديونين أنهم طالبوا اخيرا بخفض نسبة الفوائد في البنوك المحلية لأنها كما أصبح معروفا متجاوزة للأسقف العالمية وهذه النقطة تقع في صلاحيات الدولة أو كما يتم إسعاف الدول المتضررة وتقديم المساعدات الإنسانية لهم فربما علينا أن ننظر بذات عين الرأفة إلى المديونين /ات.

بالتأكيد لا أتكلم عن مدينة مثالية ولكنها العدالة الإجتماعية حين تغيب أو تُغيَب وهي الأصح ، ومع كل التوصيات والمؤتمرات لا نلمس شيئا جديرا نتحدث عنه كواقع ملامس ،وحتى الآن لا أذكر أني رأيت دراسة تدرس التغيرات المعاصرة للمجتمع العماني وليرحمني الله لو جاءت تلك الدراسة من الخارج ..

حفظ الله عمان قائدها وشعبها وكل من سكن فيها بخير ورفعة ، وصباحكم/ مسائكم أحلام بمئة مليون ريال عماني ..

مع تحياتي/ لينا البلوشي