الخميس، 2 أبريل 2015

حكايتي مع الرولة


 
 
 
 
 
 
 

 

" قبل موسم القيظ الذي عادة ما يأتي مصحوباً بموجة من الحرارة والرطوبة غسل المطر الحميم البيوت والأشجار والأزقة وكل ما في القرية عدا القلوب والأرواح والعقول ، بقيت تترع بالجفاف والعطش .."
يوسف الحاج / رواية الرولة .

 

بعد قراءتي للرواية لم أصدق أنني لم أجد المقاطع التي تتحدث عن شناعة الرواية فيما يخص مسألة الجنس، وكنت قد رفضت رفضاً قاطعاً تحميل أو قراءة تلك الصور المقطوعة والمتداولة في  وسائل التواصل الإجتماعي ..

 و كما أرسل الناس قائلين : بعد الملح جاءتنا الرولة ، أجد نفسي بعد الإشمئزاز الذي أصابني من قراءة المقاطع المبتورة لكتاب الملح، ومن ثم قراءاتي للنص في سياقه وللكتاب بشكل عام أقول : أن  اشمئزازي تلاشى  وغدت قراءتي طبيعية ..

أما الرولة فقد جاءت إليّ عندما اتجهت إلى معرض الكتاب خصيصا لاقتناءها وكنت قد قررت عدم الذهاب إلى المعرض لكثرة الكتب غير المقرؤة عندي من المعرض الفائت ؛ ولكن تلك الضجة حولها و من الناس حولي كل ذلك كان فوق  قدرتي على الاحتمال والرد على الغباء المجتمعي كما أطلقت عليه، فمن قائل/ة : أن الكاتب أنزل المقطع  بنفسه ونشره في وسائل التواصل الإجتماعي من أجل الشهرة، وقد أجبت شخصيا على هذا الأمر بأن الكاتب صحفي في جريدة الزمن ومشهور في مجاله ..  ومنهم/ن من أعتقد وأصر أن يوسف الحاج غير عماني؛ وكأن غير العماني فقط هو من يسيء للكتابة.. منهم/ ن  من أخذ بزمام نشر تحذير من قراءة أو اقتناء كتب هذا الكاتب لإنها  حسب رأيهم تفسد في الشباب والأطفال.. ، وحينها أيضا كان ردي بسيطاً بأنها  الرواية الأولى للكاتب.

أما أطرف  الأشياء  فهي أن يعتبروا/ن  يوسف الحاج من أصحاب الغزو الفكري و العولمة والحركة اليهودية وأن تكون الرولة بذلك عملا مقصوداً لإضعاف النفوس ونشر الفساد ..

 

 

كنت أبحث من الصفحة الأولى عن ماهية الرولة ولا تتوارد إلى ذهني الأفكار مع أني ربما أكون  قد قرأت عنها بصفحة الكاتب في الفيس بوك؛ لكني لم أصل للمعلومة إلا بقراءتي للصفحة الحادية عشر من روايته؛ ليبدو لي حينها الغلاف مفهوماً وحاضراً بقوة فيما بعد حيث تأكدت من تصنيفها إلى النباتات.

تدور أحداث الرواية في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن المنصرم كما يتبين من الأحداث السياسة المذكورة في قرية ينهش حياة ساكنيها مظاهر الفقر والجهل والخوف، فبينما مسقط تتسارع فيها خطى الحكومة الجديدة لاتزال القرية وأفرادها يتصارعون في فكرة انشاء مدرسة بين مؤيدين قلة ومعارضين كثر  يترأسهم معلم القرية الذي يعلم الأطفال القرآن ويخشى من التعليم الجديد ومناهجه وهو الذي لا يجد غير الضرب وسيلة للتلقين.. وحتى عندما يتم اختيار مكان المدرسة عند الرولة ويكتمل بناءها بفصول يغطيها الصفيح الذي سرعان ما تطير به الرياح لرأس الرولة نفسها، في النهاية  تظهر المدرسة خاوية وتنقصها أماكن لقضاء الحاجة !

هي رواية تقرأ بفضول طفل يروي أدق تفاصيل قريته تقوده طفولته الغضة وسعادته حيناً وحزنه حيناً آخر،تحركه تساؤلات كثيرة وفجأة يكتشف مصادفةً أو استراقاً أسراراً كثيرة ، ولست أتذكر لهذا البطل الصغير اسماً و في أحيان كثيرة حمَله الكاتب أفكاراً أكبر من سنه ..

تسير الرواية بتمهل  وفجأة تنقض ـ كاجتماعات أهالي القرية عند الرولة ـ  بموت صديقه المقرب بفضاعة من مجرم  مغتصب يمشي مرحاً في القرية وكأنه ليس الفاعل بعد أن خدع الطفل درويش باكتشافه لخلية نحل كبيرة ورغبته أن يساعده في قطفها ، نجد هذا في الصفحة التسعين من الرواية فضلا عن صورة الصفحة المبتورة في أكثر الهواتف النقالة  التي تداولها البعض والكثير بدعوى أن الكاتب يدعو للواط.. ، بينما في الحقيقة يبدو الكاتب  كالأم التي  تحذر أطفالها  مسبقا من مغبة الحديث مع غريب أو أخذ قطعة حلوى منه..

من المؤلم أن أقول كيف مات درويش لكن من المؤكد أن روحه لم تغادر الرولة وصنع منها الكثير، فكما قالوا في القرية أن الصبي مسحور والرولة مسكونة ليلا و أن أم الصيبان تكون قد أخذته بعيداً وغيبته..

تكاد تكون المرأة حاضرة بكل صورها وأدوارها في الرولة فهي: الأم الحنون والمرأة اللعوب والزوجة الصالحة والخائنة والأولى والثانية ، والحبيبة!

وتحلو الرواية بحكاياتها وأسرارها و سأترك متعة قراءتها للقارئ /ة ، فقط أشير إلى بروز ظهورها في الصفحة الخمسين كمقاربة بين المرأة العمانية والمصرية :

" .. جمال المرأة المصرية  كامن في روحها المتطلعة للحرية والحياة وحبها الأثير لزوجها ووطنها"  يتبعها توضيح السارد ، مع العلم أنها ذات الصورة الحديثة.

ثم تأتي المرأة العمانية كمناضلة من نوع آخر :" إنها تصحو باكرا قبل الزوج لتباشر أعمالها المنزلية.. وإلى جانب ذلك تقوم بأعمال رجالية قد لا تقدر عليها، مثل التحطيب ونقل الماء والمشاركة في الجداد والتبسيل ، وعندما يغيب الزوج لسنوات بعيداً عن المنزل تسطر أروع الأمثلة في الجلد والوفاء والإخلاص"  يتبع ذلك تنبؤ بتغير حالها وانطلاقها في المستقبل .

 تحفل الرولة بكلمات و أسماء وغيرها مثل: دعوص، مزافن الدعون، الغتل،الكرانيف، التوافي، القبيلة، فلسطين، اسرائيل، مصر، مسقط، أم كلثوم، درويش، خليفة ،موسى، مريم ، ود جابر، مبارك ، سليمان ، الشيخ، الوالي ..

يقول المعلم  مبارك  في جزء من خطبة يوم الجمعة " أيها الناس : لقد كثر البلاء والمحن وما الكوارث والعواصف إلا أمور مقدرة من رب العباد ، إما عقوبة أو نقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصي بين المسلمين" وهنا ليس السؤال هو الذي يفرض نفسه هذه المرة بل السخرية المرة من مرور السنين وكثرة حملة الشهادات العلمية  التي لا زالت تعتنق ذات الفكرة  كما لم تراوح الخطب  ذاتها مكانها..

 وقد حرم المعلم مبارك على موسى استقدام بانيان لفتح دكانه في القرية  معللاً ذلك بحرمة مخالطة  غير المسلمين  سواءً في التجارة او السكن وما شابه .. هل يعلم مبارك أن أفكاره باقية وهل يعلم أي التجار يتحكم بالسوق الان ؟

 

 

في البر والبحر تأخذ قضاء الناس لحاجتها الفسيولوجية في القرية، حيزاً لا بأس به من الرولة حيث يندر أن نقرأ ذلك مكتوباً ؛ ولكن من ذا الذي لم يسأل أهله يوماً أين قضوا حاجتهم؟!

تحتفي  الرولة بكثير من القيم والدروس؛ لأني انتظرت طويلاً  حتى وصلت إلى الرولة الثانية عشر لأجد أن الكاتب تخلى عن طغيانه الشخصي في سرد الرولة وأنه اندمج مع الشخصيات أو توارى خلفها..

يتجدد قديم  الرولة في طلب بيت وسيارة من الحكومة، الأحوال الجوية المرتقبة، صراع الولاءات والكفاءات، نقص الخدمات والمرافق الحيوية، مشاريع متوقفة أو ناقصة، الإستيلاء على الأراضي..

هكذا إذن لأجل الرولة ولفهم أجمل أهدي محبي الهدوء والموارة  رواية رحلة البحث عن الذات للكاتب حسن اللواتي ،أما عكس ذلك فأرشح رواية المحرمات للكاتب سعود المظفر .

 

لينا بنت عبدالله البلوشي

Italiana32@hotmail.com