الثلاثاء، 15 مايو 2018

لا تقولي إنك خائفة

(لا تقولي إنك خائفة ) رواية الأمل في كل لحظة ، تحكيها سامية يوسف عمر، الفتاة الموهوبة التي ستصبح عداءة عالمية ..
ف
ما يبدو غريبا ان الحرب تستمر على طول السنين ، بل وتزاد ضراوة وشراسة وتجددت أساليبها في كل عام بل في كل يوم جديد، فما بين ولادة سامية ( البطلة) في العام 1991 وحتى يومي هذا في العام 2018 وما قبل ذلك وما بعده يشي الوضع بأزمات اكبر وبلهفة أكثر من الساسة الملعونين  نحو  مزيد من الحروب ، وكأننا نتحدث عن إضافة مزيد من الكريمة على الكيك .

تقول سامية أثناء حديثها عن مدرستها (... وكم من الرائع التعرف على قوانين الأرض الخفية ، وأبعاد الفناء المستطيلة ،أو على سبيل المثال ، داخل الدائرة التي كان يتركها البورجيكو بعد الانتهاء من إعداد الطعام ، كان يبدو لي الأمر سحر ، ويثير  في شعورا باليقين .إذا كانت هناك قواعد تفسر هذه الأمور ، فالكون لا ينبغي أن يكون سيئا لهذا الحد . يوما ما ، ربما نتوصل إلى اكتشاف الوانين التي تدفع البشر إلى الحروب ، فنمحوها إلى الأبد سيكون هذا أجمل يوم في تاريخ البشرية على الإطلاق).

أعتقد أنها المرة الأولى التي أقرأ فيها رواية كاملة تتحدث عن دولة اسمها ( الصومال) ، مع أنه في ما مضى كانت لدي رغبة في الذهاب إليها ؛ لأنه وحين كنت معلمة وآتي على ذكر المجاعات في العالم أو أي صورة تبين نمط الفقر كطفل جائع بعظام بارزة أو أكواخ متهدمة ، كانت طالباتي يجاوبن بذكاء: أنها الصومال، وهذا ما لم يكن يروق لي البتة ..
وقد لا تخرج الرواية كثيرا عن هذا التفكير السائد بنظرة سطحية  منا ؛ ولكن الكفاح والسعي إلى المعرفة وكسب الرزق والتجارة وحتى الرياضة وغيرها من أشكال الحياة ، لا تتوقف  بل عقولنا.
ظروف قاسية وحرب وظهور جماعات متطرفة  وانعدام العدالة الاجتماعية ، ثم يأتي الفقد وقرار الهجرة  التي لم أكن يوما أتخيل مخاطرها بهذا السوء ، قد تكون بداية حلم أو نهاية حلم لأحدهم  ، وما  بينهما أقسى ما يكون  عندما تتفوق وحشية الكثير من البشر في تعذيب الآخرين.
رواية تعلمك الكثير حد البكاء .. شكرا للمؤلف جوزيه كاتوتسيلا  والمترجم المبدع معاوية عبدالمجيد


الأربعاء، 25 يناير 2017

من فيض التدريب والتربية

من فيض التدريب والتربية .. ل( لينا البلوشي)

بعد نوبة سعال في منتصف الليل، ومن أجل حساسية الشعب الهوائية، بعد التعرض للأتربة والغبار والأصباغ المسمومة، و انتقال الانسان والأثاث لموظفي أربع جهات رئيسية وتعرضهم لكل تلك المشقة وعتابهم لبعضهم البعض عن المسبب لذلك، وربما تحسبهم لله عن بعضهم أو لبعضهم أقول:
انتقل مؤخرا مركز التدريب الرئيس التابع لوزارة التربية والتعليم من مبناه المستأجر في الخوير إلى مبنى مركز التدريب والإنماء المهني بالخوير التابع لمديرية التربية والتعليم بمسقط، الذي انتقل إلى مبنى دائرة تنمية الموارد البشرية ودائرة التقويم التربوي بالوطية، وهؤلاء انتقلوا  إلى مبنى مديرية التعليم لمحافظة مسقط بالوطية، التي انتقلت بدورها إلى المبنى القديم لوزارة التربية والتعليم! توهان، أليس كذلك؟ فما بالكم بالواقع!..
مباني متصدعة متآكلة، متفرعة في كل الزوايا، محاطة بأراضي واسعة جرداء غير مستغلة، وأخرى مستأجرة من جهات بعضها حكومي، عفا عليها الدهر وعاش حكاياه فيها ولا زال، ولم تقم وزارة التربية والتعليم باستغلالها او استثمارها. .
اذا كانت وزارة التربية والتعليم ذاتها- حتى تجمع شملها و مبانيها -أخذت أكثر من عشرة أعوام، وكان على المواطن أن يتكبد العناء و يدق هذا المبنى و ذاك ليصل إلى مراده .. فكم ستأخذ من الوقت لتفكر بعقلية استثمارية ؟!
وهنا نطرح  بعض الاسئلة: - لماذا أخذ مركز التدريب الرئيس التابع للوزارة، مبنى مركز التدريب لمحافظة مسقط؟ - لماذا لم ينتقل مركز التدريب الرئيس إلى المبنى الجديد لوزارة التربية والتعليم؟ - لماذا اختفى مشروع بناء مركز تدريب آخر لمحافظةمسقط في السيب الذي سبق وأن اعتمدت ميزانيته قبل عامين تقريبا؟.
بعد عملي في التدريب فترة لا بأس بها، أدركت أن  امتلاك زمام التدريب يكون لعدة جهات مثل دائرة التدريب والتأهيل ودائرة تقييم العائد التدريبي وبينها حلقة الوصل مع مراكز التدريب في كل محافظات السلطنة بشكل أو آخر مركز التدريب الرئيس.. وهذه الصورة البيضاوية يجملها  ظهور المركز التخصصي للإنماء المهني، فتظهر الأدوار مختلطة غير واضحة وبدون تجانس وللتأكيد فإن صفتها الجلية هي اللاتكامل، وإن ادّعوا عكس ذلك..
فها هي إدارات المدارس والهيئات التدريسية ضجت، فهذا معلم يتدرب في مركز التدريب الرئيس، وأياما أخرى يتدرب في مركز التدريب بمحافظته، وأسابيع أخرى يتدرب في المركز التخصصي، وهكذا دواليك. أما محصلة التدريب ( ماهيته) وتقييم التدريب( أثره ونتائجه)، ضائعة وضائقة.
مع العلم، كل جهة لديها احصائياتها متوفرة كميا ووصفيا على الورق والأقراص الملونة، نعم كل جهة من تلك لديها انجازاتها ومسؤليها وموظيفها الذين اجتهدوا ولكن ضلوا..
توزع وزارة التربية والتعليم المسميات مجانا وعلى غير هدى، فمثلا في مجال التدريب برزت عدة مسميات خلال سنوات معدودة فمن أخصائي تدريب الذي أفل حضوره في الوقت الحالي ومرورا بمدرب مساعد ومدرب وليس آخرا بأخصائي تقييم برامج إنماء مهني.. مع ما يتبعه  من سحب مهام وتداخل مهام..
أليس جميلا على سبيل المثال أن تدرب مرة أو مرتين خلال عام واحد مع حصولك على مبالغ الساعات التدريبية  ثم يمكنك الجلوس في مكانك طوال العام .
أما البرامج التدريبية فهي صيغة أخرى من الجهل وسوء الاختيار، فقد حدث أن حضرت برنامجا تدريبيا ل٣٠٠ متدرب من المعلمين والإداريين كمنظم وجلست استمع للمدرب فإذا بي اسمعه يذكر مثالا علميا كنت قد سمعته قبل اكثر من ١٥ عاما وانا على مقاعد الدراسة وليست المسألة في ذكر المعرفة وتشابهها وإنما ضحالة هذا المثال .. اذكر يومها سألني مسؤولي عن البرنامج والمدرب،فبينت له ما كان ،فقال لي: بس المعلمين مستمتعين وعاجبهم ..
نعم بالنسبة لأولئك المعلمين هو جديد وما يقدمه مبهر؛ لكن لا يمكنني أن أرضى بتساوي الجهل مع المعرفة، بتعامي قلوب كثير من الموظفين عن القراءة والإطلاع..
من الجيد أن توقفت نوعية تلك البرامج ولكن زالت الكثير من الجهات تقيم ملتقياتها وبرامجها في أفخم الفنادق والقاعات مع توفر  أطيب المأكولات.. لتصبح عبارة مثل عشان استانس أو استانسنا بالبرنامج شائعة على رأي مديرة مدرسة..
أما الفقاعة التي ليس لها مثيل فهو ذلك المدرب الخبير الدكتور المستشار الذي أظنه سيؤلف كيف تصبح مليونيرا .. الذي درب في كل زاوية في وزارة التربية والتعليم وكل قسم وربما كل محافظة، الذي امتلك من العلم الكثير لدرجة ان له السلطة بالتحدث عن الخطط الخمسية بالسلطنة وما إلى ذلك .. ويأتي دور المستمعين مشاركا كان أو مسؤولا بالتصفيق ودعوته وأمثاله لتدريب آخرين .
لماذا هؤلاء؟ لماذا المتاجرة بالعقول؟ لماذا نجامل ونمدح في وجوه بعض؟ لماذا لانقول بأننا فشلنا..
هناك مثال أخير  قد لا يلتفت إليه حتى العاملون في مجال التدريب وهو وجود مكتبة في أغلب مراكز التدريب بالمحافظات ومناسبة الحديث هو أن هذه المكتبات بها كنوز علمية وتربوية ويحدث أن مركز التدريب الرئيس يشتري الآف سنويا من معرض مسقط الدولي للكتاب ويقوم بتوزيعها لمكتبات مراكز التدريب؛ ولكن هيهات أن تكتمل الصورة فثلث الكتب دائما تأتي مكررة عن الأعوام السابقة حتى الأرفف تضج منها ..
لا ننكر الجهود ونسمع عن التدريب الالكتروني والبرنامج الالكتروني القادم لكن لا نريد عملا آليا بلا روح، لا نريد فرقعات اعلامية، نعم تطور التدريب لكن بشكل بسيط لا يرقى.. لهذا أقترح أن يتوقف التدريب من ستة أشهر إلى سنة وتدرس الجهات المعنية ما لها وما عليها..
وعودا على بدء أقول :- لماذا لا يتحد مركز التدريب الرئيس مع المركز التخصصي ؟ - لماذا لا تتحد جهود التدريب تحت مظلة جهة واحدة ؟ - لماذا لا زالت مباني التدريب مستأجرة ؟ - لماذا لا تستغل وزارة التربية والتعليم اراضيها ومبانيها الملحقة والمتفرعة في مشاريع اقتصادية  كمدخول اقتصادي فتخدم نفسها وتخدم موظفيها!

* ومضة..
العاطلون الباطلون في ما مضى، كانت صورتهم النمطية تتمثل وهم يمسكون الجرائد ويتصفحونها مع شرب الشاي والقهوة جرى عليهم الزمن وزاد عليهم متصفحي الانترنت و مشاهدي اليوتيوب.. هؤلاء البؤساء الذين لا يدركون ما يفعلون في حياتهم وأعمالهم فتجدهم -ذكورا وإناثا- يؤذون بعضهم ويتذمرون كثيرا ويثرثرون فقط ، الذي لا يبدون قولا ويراؤون معتقدين أن هذا طريقهم إلى قلوب المسؤولين والتكسب من خلالهم، الراغبين بحفظ لقمة عيشهم، الذين لا يفرقون بين الصراحة والوقاحة ويهرفون بما لا يعرفون،       هؤلاء الذين يحملون شهادات عليا ويعملون بنمط واحد ونسخة كربونية من بعض ( موظفا او مسؤولا. ) هؤلاء هم الذين أضاعونا!


الخميس، 2 أبريل 2015

حكايتي مع الرولة


 
 
 
 
 
 
 

 

" قبل موسم القيظ الذي عادة ما يأتي مصحوباً بموجة من الحرارة والرطوبة غسل المطر الحميم البيوت والأشجار والأزقة وكل ما في القرية عدا القلوب والأرواح والعقول ، بقيت تترع بالجفاف والعطش .."
يوسف الحاج / رواية الرولة .

 

بعد قراءتي للرواية لم أصدق أنني لم أجد المقاطع التي تتحدث عن شناعة الرواية فيما يخص مسألة الجنس، وكنت قد رفضت رفضاً قاطعاً تحميل أو قراءة تلك الصور المقطوعة والمتداولة في  وسائل التواصل الإجتماعي ..

 و كما أرسل الناس قائلين : بعد الملح جاءتنا الرولة ، أجد نفسي بعد الإشمئزاز الذي أصابني من قراءة المقاطع المبتورة لكتاب الملح، ومن ثم قراءاتي للنص في سياقه وللكتاب بشكل عام أقول : أن  اشمئزازي تلاشى  وغدت قراءتي طبيعية ..

أما الرولة فقد جاءت إليّ عندما اتجهت إلى معرض الكتاب خصيصا لاقتناءها وكنت قد قررت عدم الذهاب إلى المعرض لكثرة الكتب غير المقرؤة عندي من المعرض الفائت ؛ ولكن تلك الضجة حولها و من الناس حولي كل ذلك كان فوق  قدرتي على الاحتمال والرد على الغباء المجتمعي كما أطلقت عليه، فمن قائل/ة : أن الكاتب أنزل المقطع  بنفسه ونشره في وسائل التواصل الإجتماعي من أجل الشهرة، وقد أجبت شخصيا على هذا الأمر بأن الكاتب صحفي في جريدة الزمن ومشهور في مجاله ..  ومنهم/ن من أعتقد وأصر أن يوسف الحاج غير عماني؛ وكأن غير العماني فقط هو من يسيء للكتابة.. منهم/ ن  من أخذ بزمام نشر تحذير من قراءة أو اقتناء كتب هذا الكاتب لإنها  حسب رأيهم تفسد في الشباب والأطفال.. ، وحينها أيضا كان ردي بسيطاً بأنها  الرواية الأولى للكاتب.

أما أطرف  الأشياء  فهي أن يعتبروا/ن  يوسف الحاج من أصحاب الغزو الفكري و العولمة والحركة اليهودية وأن تكون الرولة بذلك عملا مقصوداً لإضعاف النفوس ونشر الفساد ..

 

 

كنت أبحث من الصفحة الأولى عن ماهية الرولة ولا تتوارد إلى ذهني الأفكار مع أني ربما أكون  قد قرأت عنها بصفحة الكاتب في الفيس بوك؛ لكني لم أصل للمعلومة إلا بقراءتي للصفحة الحادية عشر من روايته؛ ليبدو لي حينها الغلاف مفهوماً وحاضراً بقوة فيما بعد حيث تأكدت من تصنيفها إلى النباتات.

تدور أحداث الرواية في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن المنصرم كما يتبين من الأحداث السياسة المذكورة في قرية ينهش حياة ساكنيها مظاهر الفقر والجهل والخوف، فبينما مسقط تتسارع فيها خطى الحكومة الجديدة لاتزال القرية وأفرادها يتصارعون في فكرة انشاء مدرسة بين مؤيدين قلة ومعارضين كثر  يترأسهم معلم القرية الذي يعلم الأطفال القرآن ويخشى من التعليم الجديد ومناهجه وهو الذي لا يجد غير الضرب وسيلة للتلقين.. وحتى عندما يتم اختيار مكان المدرسة عند الرولة ويكتمل بناءها بفصول يغطيها الصفيح الذي سرعان ما تطير به الرياح لرأس الرولة نفسها، في النهاية  تظهر المدرسة خاوية وتنقصها أماكن لقضاء الحاجة !

هي رواية تقرأ بفضول طفل يروي أدق تفاصيل قريته تقوده طفولته الغضة وسعادته حيناً وحزنه حيناً آخر،تحركه تساؤلات كثيرة وفجأة يكتشف مصادفةً أو استراقاً أسراراً كثيرة ، ولست أتذكر لهذا البطل الصغير اسماً و في أحيان كثيرة حمَله الكاتب أفكاراً أكبر من سنه ..

تسير الرواية بتمهل  وفجأة تنقض ـ كاجتماعات أهالي القرية عند الرولة ـ  بموت صديقه المقرب بفضاعة من مجرم  مغتصب يمشي مرحاً في القرية وكأنه ليس الفاعل بعد أن خدع الطفل درويش باكتشافه لخلية نحل كبيرة ورغبته أن يساعده في قطفها ، نجد هذا في الصفحة التسعين من الرواية فضلا عن صورة الصفحة المبتورة في أكثر الهواتف النقالة  التي تداولها البعض والكثير بدعوى أن الكاتب يدعو للواط.. ، بينما في الحقيقة يبدو الكاتب  كالأم التي  تحذر أطفالها  مسبقا من مغبة الحديث مع غريب أو أخذ قطعة حلوى منه..

من المؤلم أن أقول كيف مات درويش لكن من المؤكد أن روحه لم تغادر الرولة وصنع منها الكثير، فكما قالوا في القرية أن الصبي مسحور والرولة مسكونة ليلا و أن أم الصيبان تكون قد أخذته بعيداً وغيبته..

تكاد تكون المرأة حاضرة بكل صورها وأدوارها في الرولة فهي: الأم الحنون والمرأة اللعوب والزوجة الصالحة والخائنة والأولى والثانية ، والحبيبة!

وتحلو الرواية بحكاياتها وأسرارها و سأترك متعة قراءتها للقارئ /ة ، فقط أشير إلى بروز ظهورها في الصفحة الخمسين كمقاربة بين المرأة العمانية والمصرية :

" .. جمال المرأة المصرية  كامن في روحها المتطلعة للحرية والحياة وحبها الأثير لزوجها ووطنها"  يتبعها توضيح السارد ، مع العلم أنها ذات الصورة الحديثة.

ثم تأتي المرأة العمانية كمناضلة من نوع آخر :" إنها تصحو باكرا قبل الزوج لتباشر أعمالها المنزلية.. وإلى جانب ذلك تقوم بأعمال رجالية قد لا تقدر عليها، مثل التحطيب ونقل الماء والمشاركة في الجداد والتبسيل ، وعندما يغيب الزوج لسنوات بعيداً عن المنزل تسطر أروع الأمثلة في الجلد والوفاء والإخلاص"  يتبع ذلك تنبؤ بتغير حالها وانطلاقها في المستقبل .

 تحفل الرولة بكلمات و أسماء وغيرها مثل: دعوص، مزافن الدعون، الغتل،الكرانيف، التوافي، القبيلة، فلسطين، اسرائيل، مصر، مسقط، أم كلثوم، درويش، خليفة ،موسى، مريم ، ود جابر، مبارك ، سليمان ، الشيخ، الوالي ..

يقول المعلم  مبارك  في جزء من خطبة يوم الجمعة " أيها الناس : لقد كثر البلاء والمحن وما الكوارث والعواصف إلا أمور مقدرة من رب العباد ، إما عقوبة أو نقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصي بين المسلمين" وهنا ليس السؤال هو الذي يفرض نفسه هذه المرة بل السخرية المرة من مرور السنين وكثرة حملة الشهادات العلمية  التي لا زالت تعتنق ذات الفكرة  كما لم تراوح الخطب  ذاتها مكانها..

 وقد حرم المعلم مبارك على موسى استقدام بانيان لفتح دكانه في القرية  معللاً ذلك بحرمة مخالطة  غير المسلمين  سواءً في التجارة او السكن وما شابه .. هل يعلم مبارك أن أفكاره باقية وهل يعلم أي التجار يتحكم بالسوق الان ؟

 

 

في البر والبحر تأخذ قضاء الناس لحاجتها الفسيولوجية في القرية، حيزاً لا بأس به من الرولة حيث يندر أن نقرأ ذلك مكتوباً ؛ ولكن من ذا الذي لم يسأل أهله يوماً أين قضوا حاجتهم؟!

تحتفي  الرولة بكثير من القيم والدروس؛ لأني انتظرت طويلاً  حتى وصلت إلى الرولة الثانية عشر لأجد أن الكاتب تخلى عن طغيانه الشخصي في سرد الرولة وأنه اندمج مع الشخصيات أو توارى خلفها..

يتجدد قديم  الرولة في طلب بيت وسيارة من الحكومة، الأحوال الجوية المرتقبة، صراع الولاءات والكفاءات، نقص الخدمات والمرافق الحيوية، مشاريع متوقفة أو ناقصة، الإستيلاء على الأراضي..

هكذا إذن لأجل الرولة ولفهم أجمل أهدي محبي الهدوء والموارة  رواية رحلة البحث عن الذات للكاتب حسن اللواتي ،أما عكس ذلك فأرشح رواية المحرمات للكاتب سعود المظفر .

 

لينا بنت عبدالله البلوشي

Italiana32@hotmail.com

الأحد، 30 يونيو 2013

إيطاليا.. الحُب و الشجون


إيطاليا.. الحُب و الشجون

"إيطاليا ملكة العالم، أرض دانتي، ومهد النهضة، ومبعث النور والحرية، لن تموت، بل ستبعث، وتعيد سيرتها الأولى " هذه الكلمات المتناغمة لم ينسها عقلي أبداً، منذ أن قرأتها من كتاب التاريخ للصف الأول الثانوي الذي كان لأختي الكبرى، أي قبل خمسة عشر عاماً، عندما راقت لي تلك الكلمات حداً يفوق الإعجاب ، ومن يومها أحببت ماتزيني وغاريبالدي، روحهم الآسرة، ورغبتهم العظيمة التي نجحت في توحيد إيطاليا إبان القرن التاسع عشر الميلادي..
ومع مضي السنين وبكل الخبرات التي اكتسبتها والمعارف التي تعلمتها، لم أستطع أن أضيف شيئا مثل ذاك النور وتلك الروح إلى طالباتي.. لم أخبرهم عن أجدادهم وكفاحهم ضد البرتغاليين، لم أخبرهم عن فلسطين، ولم أخبرهم عن أبطال عظماء..حتى وإن التزمت بكتابة أفعال ( يثمن، يقدر، يعتز..) لأهداف بسيطة في الكتابة وعميقة في المعنى، ولا زلت أراوض في ذات المكان، وأسأل نفس السؤال: كيف يمكن تعليم قيمة السلام دون الولوج إلى عالم الحروب ؟ وهنا لا أدعو إلى تدريس الغزوات والمعارك وإبراز الوحشية أو الغلو في كره أجناس من البشر؛ وإنما أقول لو أن مثل تلك العبارة أو ما يشبهها لو ووجدت في مناهجنا الحالية لحُلت نصف مشكلات المواطنة وتعزيز قيمها وأزمة الهوية واللامعرفة بالوطن الحق ، ويمكنني حتى أن أتصور من خلال ذلك قد تقل المشكلات الاجتماعية !
لأن هذه البلاد بتاريخها العريق، وصروحها الحضارية، وناسها العظماء، وامتدادها المكاني على مدى العصور، لا زالت مجهولة وشبه مغيبة؛ وإني أتساءل من المسؤول عن هذ الضياع والتغييب ؟ هل هي الكتب التي لم يخبرونا عنها، أو التي لم نجدها على رفوف مكتباتنا، أو التي بقيت مخطوطة، أو تلك التي طبعت طبعات راقية، وبقيت في أدراج أساتذة التاريخ.
هكذا هي إيطاليا بعد خمسة عشر عاما من معرفتي بها، أثارت شجوني، وعندما رأيتها، قالت لي: لينا، الحياة ليست كتاب تاريخ .
وحقاً، فقد رأيت التاريخ: ممجَداً ومجسَداً ومجدداً في روما، بل كل إيطاليا تعيش على تاريخها؛ ولكن بمفهوم العصر، وتطويعه اقتصاديا فمثلا: عنوان المنتجات الجلدية الأصلية كانت من نصيب فلورنسا؛ بينما صناعة الزجاج مشهورة في فينيسيا، وصناعة الليس في جزيرة بورانو ، كما أنه لبعض المدن قديسها وحاميها، بل تاجرها الذي بفضله بلغت تلك المدن في شهرتها العالم، وازدهرت اقتصاديا مثل: جمنيان في مدينة سان جمنيانو وفرانسيس في مدينة أسيسي ..وإذ نعود إلى فلورنسا، فقد شاهدت فيها منزل دانتي أليغييري .. دانتي، الذي كانت صورته دهراً معلقة على حائط غرفتي، مكللاً رأسه بإكليل الغار، ها أنا الآن لست أمام منزله فقط، بل داخل كنيسته أيضا، أقرأ في سطورها ولوحاته كوميدياه الإلهية، التي كنت أحفظ جزءا منها، مأخوذة من مختارات النسخة المصرية لمشروع القراءة للجميع .. وعلى طول هذه المدن تنتشر محلات الأيس كريم أو الجيلتيريا ومطاعم الباستا والبيتزا و أحيانا الشوكولاتة اللذيذة ..
بينما نحن نعيش ذات العصر، ببطء سلحفاة ثرية لم تُسوق لنفسها، وكأننا في أحد الحقب القديمة التي لم نستيقظ منها بعد، فبين أربعين سائحة وسائح من أميركا وبريطانيا بما فيهم المرشدة السياحية الإيطالية، لم تعرف إحداهن عُمان أو سلطنة عُمان، ومع كل الشروحات والتهجئة تم تقريبنا كالمعتاد إلى عمّان باعتبارنا أردنيين!
كان هذا الأمر مزعجا بالنسبة لي وأختي، وأظن أني غضبت، واكتشفت عودتي ثانيةً إلى قوقعة التأريخ غير المجدي..
ولست أنكر، فمن الطبيعي أن يعرفنا البعض، ولا يعرفنا البعض الآخر؛ لكن عندما تكون تلك هي بلادك ذات التاريخ التليد، والإرث الحضاري والجيولوجي .. عندما لا تحصي كم عدد المرات التي درست ودرًست هذه الجملة؛ فهي الحسافة دون سواها التي ستراودك حتما..
في اليوم الثالث من رحلتنا وفي مدينة أور فيتو، إذا بعازف وعازفة يعزفان كل على آلته.. يعرف البلاد المسماة عُمان..أتذكر أني وأختي أهملنا هذا العازف بادئ الأمر؛ ولكن قبل انتهاء جولتنا أعادتنا إليه ألحانه الجميلة فاشترينا أسطوانته الموسيقية وسألنا من أين أنتما وحين قلنا: عُمان.
قال: عمان أنا أعرفها ، لحظتها استغرقتني ابتسامة ليس لها مدى، وقلتها صراحة: أنت أول شخص يعرف بلادنا في إيطاليا .. حينها قال أنه من بيلاروسيا وأن منتخب بلاده لعب مع منتخبنا الوطني العام الماضي! لهذا أقول شكرا كرة القدم .. وجاء اليوم التالي أطرف وقعا، عندما قابلتنا سائحة برازيلية في مصعد أحد الفنادق، وحسب نطقها فإن بلادنا تصبح (هومان)!.

وفي هذه الرحلة برغم جمالها الا انها لم تخلو من الملاحظات واهمها .. عندما كنا في باص الرحلة نستمع إلى عزف موسيقى آلة الماندولين لمطرب إيطالي مشهور، وفيما بعد نشاهد فيلما وثائقيا قصير عن ساحة دل كامبو الذ تقام فيه سباق جوائز الخيل أو il palio في مدينة سيينا؛ لنأخذ خلفية عن أهميتها التاريخية عدا عن اعتبارها مسجلة ضمن الموروث الإنساني لدى اليونسكو قبل الوصول إليها ، كانت بعض الشوارع الإيطالية تنير درب سائق الباص، بخطوط بيضاء وحروف كبيرة على أسفلت الشارع نفسه، والمكان المتجه إليه، وإشارة الوصول دون الحاجة إلى النظر لأعلى وقراءة اللوحات الزرقاء، فالمسار واضح ولن يدور حول عشرات الدوارات ..
ـ لم تنكر مرشدتنا السياحية قلة نظافة بعض شوارع روما، أو تعثرها في بعض الأماكن؛ مما حدا ببعض السائحات إلى التصفيق لها على صراحتها تلك. وللعلم، فدورات المياه متوافرة في بعض محطات الوقوف على الطريق أو في المطاعم، بعضها مجاني، والآخر مدفوع وكلاهما نظيف، كما تتواجد سلال المهملات بأنواعها مصنفة ومتجاورة.. وهذا شيء لم يصل إلى ثقافتنا بعد ونحن دين النظافة ولدينا مسابقاتنا وجوائزنا البيئية.
ـ انقطعت الاتصالات فيما بيننا ـ عمان وإيطاليا ـ وكأننا انتقلنا إلى كوكب آخر وليس قارة أخرى، فشبكات اتصالاتنا وخاصة مسبوقة الدفع غير معروفة في إيطاليا، ولا تنفع حتى في إلقاء تحية !
ـ تتوارى أخلاقنا خلف الأقنعة أو أن بعضها لا زال مختزلا في الكتب العتيقة، وبينما يزداد فضول بعضنا، ومع مجاملاتنا التي لا تنتهي، فإننا ارتحنا في الرحلة مع سيدات من بريطانيا وأمريكا حيث البشاشة والابتسامة ورقي السؤال هي لغتنا المشتركة.. كان مبهرا أن أعمار أغلبهن 55 عاما فما فوق؛ ولم أقرأ في عيونهن البراقة سوى كلمتين: الحياة حلوة، ولم يبدو أنهن ينتظرن الموت بل يعيشن بانشراح وخير.. سميتهن عجائز وهن انشط مني وأنا أصغر عمراً منهن.. تلكم السيدات وبعضهن مع زوجه العجوز صعدن سبعا وسبعين درجة خاصة بالكولوسيوم (المدرج الروماني)، وليس غريباً أن يكن قد صعدن الطوابق الثمانية لبرج بيزا!
ـ تتشابه مساجدنا بكنائسهم، أو كنائسهم بمساجدنا حسب الصيرورة التاريخية، فضلاً عن التشابه الكبير في الشكل، أو التطابق في اللون بين أردية رجال الدين حسب مراتبهم المختلفة، بكثير من العباءات النسائية المنتشرة في بلادنا!
ـ ينتشر المدخنون الصغار والكبار بالإضافة إلى الكلاب ... بشكل كبير في إيطاليا!.
خلاصة:
يبلغ عدد سكان السلطنة، مواطنين ووافدين تقريبا 2.77مليون نسمة، على مساحة 309,500 كم2 ، والمتوقع أن يتواجد ثمانية أشخاص في الكيلو متر المربع الواحد.. بينما يصل عدد سكان إيطاليا إلى 60 مليون نسمة، وتبلغ مساحة أراضيها 301,338 كم2، وبالنسبة لكثافة السكان سيتواجد 201 شخصا تقريبا في الكيلومتر المربع الواحد، الذين لا يزدحمون على بعض في المهرجانات في مدينة واحدة بل عدة مدن ولا تدوس أقدامهم أو سياراتهم بعضهم البعض ..
لا يختنقون كلية لأن آلاف السياح والمهاجرين من كل الأصقاع موجودة في بلادهم؛ بينما نحن ويجب أن أعيد ذكر هذه المعلومة فإن عدد سكاننا لم يصل إلى المليون الثالث بعد وفيه وافدين من شبه القارة الهندية وشرق آسيا وغيرهم الذين تضييق يهم الأرض على وسعها، وليس أصدق من هذا الكلام إلا الصورة التي أراها عندما يغادر بعض المواطنين إلى مناطقهم في أيام المناسبات والإجازات الرسمية لتصبح مسقط خاوية إلا من امتلاء ثلاثة أرباع حدائقها وشواطئها المحدودة بهم .. ألم يحدث أن بقيت في مسقط وسألت نفسك ؟ أين أنا ؟! هل أخطأت العنوان ؟!
عشرة أيام علمتني وأمتعتني ، لم أشأ أن أكتب لكم تقريراً صحفيا عن المدن ومعالمها فكل ذلك موجود في الأنترنت ،وسبقتني إليه عيون وأقلام الصحفيين، وهؤلاء يتساوون معي ومعك في كتابة الأحلام وطرح الرؤى؛ ولكن كم وددت لو أني قرأت أو قد أقرأ عن جولات أو سفرات مسؤولينا، غير تلك الصور والأخبار المنشورة بمغادرتهم ووصولهم البلاد ومشاركتهم في الاحتفالات ..
وكم أطمح يوماً، أن لا أسمع تلك العلة المنوط بها أمر تصريف المشاريع وهي قلة الموازنة.. أود أن أسمع وأرى وأفتخر بذلك المسؤول الحكيم الذي قرر أن يخفض راتبه أو يتبرع بجزء من راتبه لأمر مفيد للمواطن دون أي ضريبة ..
نعم، أعلم أن التغيير يحتاج إلى وقت؛ ولكنني أعي جيداً أن كل تغيير بحاجة إلى تخطيط سليم، لا يتغير بتبدل المسؤولين الموظفين إلا في حالات التعديل أو التحديث؛ لتتحقق على الأقل مفاهيم الأصالة والمعاصرة التي نتغنى بهما دوماً
.







لينا بنت عبدالله البلوشية
Italiana32@hotmail.com