الجمعة، 28 أكتوبر 2011

حكايات يعقوب لم تنته




حكايات يعقوب لم تنته





في  ( لذة ميتة ) يطل علينا الكاتب يعقوب الخنبشي بثلاثة عشر نصاً قصصيا مليئة بالتشويق والإثارة والمفارقات ، يبدع في خياله الإبداعي ورسم معاناة وواقع شخصياته بصدق واحتراف عاليين ، كما يبرع في تضمين الموروث الشعبي و يحتفي بالقيم فيها .. وهذه صورة مأخوذة من بعض نصوصه :



ـ1ـ



(اغتيال رصاصة) .. مع وجود هذا العنوان على رأس النص إلا أن الصورة المنقولة من مخيلة الكاتب إلى الورق جعلتني أنسى تماما ما الذي يتحدث عنه النص وأيضا من هن اللاتي يستنجدن ويستعطفن ويدعن لأنفسهن بالرحمة من البشر ومن الله أيضا: ( آه كم كنا نقاوم أنا وزميلاتي كبت أنفاسنا بشدة ونحن نمر بها من حارة إلى حارة ومن سكة إلى أخرى، ننقل فيها رغما عنا ولا نسمع فيها سوى صراخ وعويل بعضنا البعض، كان صدانا لا يتجاوز ذلك الحيز الضيق الذي نشغله) هكذا تستنطق الرصاصة ملخصة عذابها واغتيالها من جانب وعذاب واغتيال النفس البشرية من جانب آخر .. كما لو أن الرصاصة فاضت بها المشكلات وتعب عقلها من كثرة استخدامها من أجل غرض وحيد أو تزويد الآخرين بها مثلها مثل انسان مسجون أو مقهور يسعى و يتوق للحرية والحياة .  

حتى فكرت أنه ربما على منظمات ومؤسسات نشر السلام في العالم الأخذ بمثل هذه النصوص أوحتى معاقبة مجرمي الحروب على قراءتها .. ولا أعتقد بإمكانية نشر ثقافة السلام في أي مكان دون الولوج إلى عالم الحرب لذا على مسؤلي التربية والمناهج تحديدا لو أرادوا حقا نشر اهداف التربية من أجل السلام فليبدؤا بالاشياء الصغيرة كاغتيال رصاصة سواءا في مناهج الدراسات الإجتماعية أو اللغات بدلا من حذف وإقصاء مواضيع مثل فلسطين أو الحروب العالمية منها .



ـ 2ـ



( نهاية كرسي ).. بعد قراءتي لهذا النص أيقنت تماما أننا نعاني في العالم أجمع من أزمة كراسي ولكن فقط ذوي الضمائر والبصائر سيجلسون على كراسي الخير من أجل الصالح العام من دون الحصول على الشهرة ، بينما الأخرون ستسر بهم كراسيهم : ( لا أخفيك سرا كم كنت سعيدا عندما قبلني أحدهم ذات مرة قبل أن يجلس عليَ وكاد قلبه يقفز من الفرح بل أن بعضهم احتضنني كما لو كنت حبيبته التي أفنى عمره  للقائها) .. ومن المتعب حتى على كرسي واحد أن يجلس عليه شخص اكثر من ثلاثين عاما ولولا ذلك ما قامت الثورات للتخلص من الأشخاص وربما لنجدة الكراسي ..

لذا حين نحل أزمة الكراسي  القديمة وعندما نمنح المعتصمين والثائرين كراسيهم سيشرق النور وسيؤكد الباحثون عن عمل ـ على سبيل المثال ـ ابتسامتهم حينها فقط، وقد يغيرونها بعد ذلك حتى تحين  نهاية الكرسي فسيصيح قائلاً : (ألا تستح من نفسك أيها الموظف البسيط ؟! تتمادى وتجلس عليَ أنا .. أنا الذي كان لي الشرف العظيم في استقبال سبع مؤخرات لمدراء عموم سابقون جلست علي مؤخراتهم بكل ثبات وقوة طيلة السنوات الماضية دون كلل أو ملل).

عندما يفيض الكيل وتجف الحنجرة من الكلام الكثير تتمنى الجمادات لو تستعير هذا اللسان كي تئن من جديد على سوء المعاملة البشرية دون أدنى رحمة !

  

ـ 3ـ



ـ (خطأ طبي).. لا أعلم إذا  تمنت موزة لو أن الخطأ الطبي الذي ارتكبته الممرضة في احضار طفلة بين يديها وهذا ما كانت تتمناه وأمها و والد أولادها الذكور الأربعة : ( ـ انظري .. إنها تشبهني تماما  ـ بالعكس إنها تشبه جدتها . قالت الممرضة ـ نعم .. نعم  أنتي لا تعرفين شيئا.. بل تشبهني الخالق الناطق . قالت الجدة)

لتتفاجأ بخطأ غير متوقع أيقظها من سبات الاحلام وآلام الولادة فقط لتشابه الاسماء بينها وبين موزة اخرى في حجرة ثانية .

ـ 4 ـ



ـ (سكة سفر و حلم ).. نهاية أحلام بريئة وذوات آمارة بالسوء لتتداعى من قممها إلى الواقع المر.

من ( " سبايديه" للراحلون عنها  .. سبايديه للذاهبون إليها .. سبايديه أيها الرفاق هل من رفيق إليها ؟ ) ، وبين أزقة بانكوك مع البات  إلى مستشفى خولة .

قال في نفسه : هذي صيدة ثمرينة اليوم يجب ألا تفوت .. وسار بجانبها بولع جارف إلى أن جاءت ضربات مروحة الهواء اليدوية على يد أمه تنهره على نومه .



ـ 5 ـ



ـ (سالم) أي المعافى أو الباقي كأبسط معنيين لهذا الأسم إذ يطل علينا بطلا في قصة لعبة إلى جانب غنيمة وبقية الصغار: ( سلوم بلوم عرق اللثب / واحي تشحشح واحي نتشب / جتني غنيمة تصبح بي / يوم الجمعة  ويوم الخميس)

يستمر الرفاق في اللعب في حين  يغيب سالم عن اللعب  ـ حماية لنفسه في يوم قدوم الإعصار ـ   ثم الحياة.



ـ ومرة أخرى   يعود سالم  ( دهيد دهيد نور الله / عافية وسلامة عندالله / ورويس سلوم حفظه الله ) بعيدا عن شماتة النساء وفي حضن موزة  مولودا جديدا ومعافى عله يكون سالما من أي مكروه .



ـ 6 ـ



ـ في ساعة الصفر وحكايات سعيد التي لم تنتهى احتفاء جميل بالقيم الانسانية النبيلة والصداقات الحميمة التي بدأت تذوي وتتراجع في ظل التغير الثقافي والاجتماعي الحاصل والمنسي من قبل أفراد المجتمع في توجههم الاستهلاكي المادي بشكل كبير .







ـ 7ـ

إهداء إلى يعقوب الخنبشي:



 "دعوني فوق سرج جوادي !

وابقوا في أكواخكم وخيامكم !

وسأنطلق سعيدا في كل الأرجاء !

لا يعلو على قلنسوتي غير نجوم السماء. "   ـ غوته.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق